قسم اللاهوتيات ( كـل شــئ عـن مـوت الـمـسـيـح عـلـى الـصـلـيــب)جزء 2
ثالثا : ماهي دلالة المحبة في كلمات المسيح على الصليب ؟
دلالة المحبة في كلمات السيد المسيح على الصليب
إنها سبع كلمات ،
لفظ بها الرب على الصليب ، فى آلامه… وكانت كلها حياة.. لنا.
نلاحظ فى كلمات المسيح على الصليب عنصر العطاء.. عجيب أنه
وهو على الصليب فى مظهر الضعف والانهزام كان يعطى :-
+ أعطى لصالبيه المغفرة ( يا أبتاه أغفر
لهم ، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون ) ,
+ وأعطى للص اليمين الفردوس ( اليوم تكون معى فى الفردوس ) ,
+ وأعطى للعذراء إبناً روحياً ورعاية وأهتماماً (هوذا إبنك )،
+ وأعطى ليوحنا الحبيب بركة العذراء فى بيته (هوذا أمك ) ,
+ وأعطى للآب ثمن العدل الإلهى الذي يتطلبه ( يا أبتاه ، فى يديك أستودع روحى ) ،
+ وأعطى للبشرية
كفارة وفداءا .. وأعطانا أيضا اطمئنانا على تمام عمل الخلاص ( قد أكمل )
قدم للبشر كل هذا ، فى الوقت الذي لم يقدموا له
فيه سوى مرارة وخل من خلال ماقاله علي الصليب :-
1 -
يا أبتاه أغفر لهم ، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون
2 - اليوم
تكون معى فى الفردوس 3- هوذا إبنك
.. هوذا أمك
4- إلهى إلهى لماذا تركتنى 5 - أنا عطشان
6- قد أكمل 7 - يا أبتاه ، فى يديك أستودع روحى
رابعا : لماذا نكرم الصليب ؟
ولأجل هذ كله الصليب موضوع كرامة لما يلي :-
1) تركيز السيد المسيح علي الصليب :
وذلك منذ بدء خدمته ، وفي أثناء تعليمه ، قبل أن يصلب .
فقد قال { من لا يأخذ صليبه ويتبعني ، فلا يستحقني مت38:10.
وقال { إن أراد أحد
أن يأتي ورائي ، فلنكر نفسه ، ويحمل صليب ويتبعني } مت24:16، مر 34:8.
وفي حديثه مع الشاب الغني قال له { اذهب بع كل مالك واعطه
للفقراء .. وتعال اتبعني حاملا الصليب }. وقال أيضا { من لا يحمل صليبه ويأتي ورائي
، لا يقد أن يكون لي تلميذاً } لو27:14.
2) وقد كان الصليب موضوع كرامة الملاك والرسل :
من الأشياء الجميلة أن الملاك المبشر بالقيامة قال للمريمتين
{ أنكما تطلبان يسوع المصلوب . ليس هو ههنا ، لكنه قد قام كما قال } مت 5:28.
وهكذا سماه { يسوع
المصلوب } مع أنه كان قد قام . وظل لقب المصلوب لاصقاً به وقد استخدمه آباؤنا الرسل
. وركزوا علي صلبه في كرازتهم .
ففي كرازة القديس بطرس ، قال لليهود { يسوع لذي صلبتموه أنت
} أع36:2 , و بولس الرسول يركز علي هذه النقطة فيقول { لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا
} كو23:1 ، علي الرغم من أن صلبه هذا كان يعتبر
{ لليهود عثرة ولليونانيين جهالة }.
ويعتبر الرسول أن الصليب جوهر المسيحية فيركز عليه قائلا
{ لأنني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم ، إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً } كو2:2. أي أن هذا الصليب هو الأمر الوحيد الذي أريد
أن أعرفه .
3) وهكذا كان الصليب موضوع فخر الرسل :
{ وأما من جهتي ، فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح } غل14:6.
وإن سألناه عن السر
في هذا يكمل قائلا {هذا الذي به قد صلب العالم لي ، وأنا للعالم } غل14:6.
4) ونحن حينما نرشم الصليب ، نتذكر كثيرا من المعاني اللاهوتية والروحية المتعلقة به :
نتذكر محبة الله لنا ، الذي من أجل خلاصنا ، قبل الموت عنا
{كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلي طريقة . والرب وضع عليه إثم جميعا } أش6:53.
حينما نرشم الصليب نتذكر { حمل الله الذي حمل خطايا العالم
} يو1: 29, يو2:2.
5) وفي رشمنا للصليب نعلن تبعيتنا لهذا المصلوب :
إن الذين يأخذون الصليب بمجرد معناه الروحي داخل القلب ،
دون أية علاقة ظاهرة ، لا يظهرون هذه التبعية علناً ، التي نعلنها برشم الصليب ، وبحمل
الصليب علي صدورنا . وبتقبيل الصليب أمام الكل ، وبرشمه علي أيدينا ، وبرفعه علي اماكن
عبادتنا .
إننا بهذا كله ، إنما نعلن إيماننا جهارا ، ولا نستحي بصليب المسيح أمام الناس ، بل نفتخر به ، ونتسمى
به . ونعيد له أعيادا .. ونتمسك به .. حتي دون أن نتكلم مجرد مظهرنا يعلن إيماننا
.
6) إن الإنسان ليس مجرد روح، أو مجرد عقل ، بل حواس جسدية أيضا تحس الصليب بالطرق السابقة :
كما أنه ليس جميع الناس في مستوي روحي واحد ، لا يحتاجون
فيه إلي الحواس .
و الحواس تنقل تأثراتها
إلي العقل وإلي الروح .. وربما العقل لا يتذكر
الصليب من تلقاء ذاته ، أو يتذكره كثيرا ولكنه عن طريق الحواس ، حينما يري الصليب مرسوما
أمامه ، يتذكر ما يختص بالصليب وبالمصلوب من مشاعر ومن معان روحية ولاهوتية …
وهكذا نعبد الله روحا وعقلا وجسدا . وكل هذا يقوي بعضه بعضا
.
7) ونحن لا نرشم الصليب علي أنفسنا في صمت ، إنما نقول معه باسم الآب والابن والروح القدوس :
وبهذا نعلن في كل مرة عقيدتنا بالثالوث القدوس الذي هو إله
واحد ، إلي الأبد آمين . وهكذا يكون الثالوث في ذهننا باستمرار ، الأمر الذي لا يتاح
للذين لا يرشمون الصليب مثلنا .
8) وفي الصليب ايضا نعلن عقيدتي التجسد والفداء :
فنحن إذ نرشم الصليب من فوق إلي تحت ن ومن الشمال إلي اليمين
، إنما نتذكر ا، الله نزل من السماء إلي تحت إلي أرضنا ، فنقل الناس من الشمال إلي
اليمين ، من الظلمة إلي النور ، ومن الموت إلي الحياة ، وما أكثر التأملات التي تدور
بقلوبنا وأفكارنا من رشم علامة الصليب .
9) وفي رشمنا للصليب تعليم ديني لأولادنا ولغيرهم :
كل من يرشم الصليب ، حينما يصلي ، وحينما يدخل إلي الكنيسة
، وحينما يأكل ، وحينما ينام ، وفي كل وقت ، إنما يتذكر الصليب ، وهذا التذكر مفيد
روحيا ومطلوب كتابيا . وفيه تعليم الناس ، إن المسيح قد صلب وتعليم بالذات لأولادنا
الصغار الذين يشبون من صغرهم متعودين علي الصليب .
10) وبرشمنا الصليب إنما نبشر بموت الرب عنا حسب وصيته :
وهذه وصية الرب لنا أن نبشر بموته { الذي لجل فدائنا } إلي
أن يجئ 1كو26:10.
ونحن برشم الصليب
نتذكر موته كل حين ، نظل نتذكره إلي أن يجئ .
ونحن نتذكره كذلك في سر الأفخارستيا . ولكن هذا السر لا يقام
في كل وقت بينما الصليب يمكن أن نرشمه في كل وقت ، متذكرين موت المسيح عنا …
11) وفي رشمنا للصليب ، نتذكر أن عقوبة الخطية موت :
لأنه لولا ذلك ما مات المسيح . كنا نحن { أمواتا بالخطايا
} أف5:2.
ولكن المسيح مات
عنا علي الصليب واعطانا الحياة . إذ دفع الثمن قال للآب { يا أبتاه أغفر لهم }.
12) وفي رشمنا الصليب نتذكر محبة الله لنا :
الصليب ذبيحة حب { هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي
لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية } يو16:3.
13) ونحن نرشم الصليب لأنه يمنحنا القوة :
القديس بولس الرسول يشعر بقوة الصليب هذه فيقول { به صلب
العالم لي ، وأنا للعالم } غل 14:6 . ويقول أيضاً { أن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة
. وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله } 1كو18:1 .
لاحظوا هنا أنه لم يقل أن عملية الصليب هي قوة الله ، إنما
قال إن مجرد { كلمة الصليب } هي قوة الله .
14) فنحن نرشم الصليب لأن الشيطان يخافه :
كل تعب الشيطان منذ آدم إلي أخر الدهور ، ضاع على الصليب
، إ ذ دفع الرب الثمن ، ومحا جميع خطايا الناس بدمه ، ممن يؤمنون ويطيعون لذلك فإن
الشيطان كلما يرى الصليب يرتعب متذكراً هزيمته الكبرى وضياع تعبه ، فيخزي ويهرب .
وكما كانت ترفع الحية النحاسية في القديم شفاء للناس وخلاصاً من الموت ، هكذا رفع رب المجد على الصليب
{ يو 14:3 } ، وهكذا علامة الصليب في مفعولها .
15) ونحن نرشم علامة الصليب فنأخذ بركته :
كان العالم كله يقع تحت حكم اللعنة بالموت بسبب الخطية .
ولكن على الصليب حمل الرب كل لعناتنا لكي يمنحنا بركة المصالحة مع الله { رو10:5 }
. وبركة الحياة الجديدة النقية ، وبركة العطية في جسده ، وكل نعم العهد الجديد مستمدة
من الصليب .
16) لذلك فكل الأسرار المقدسة في المسيحية تستخدم فيها الصليب :
لأنها كلها نابعة
من استحقاقات دم المسيح علي الصليب .
فلولا الصليب ، ما كنا نستحق أن نقترب إلي الله كأبناء في
المعمودية وما كنا نستحق التناول من جسده ودمه في سر الأفخارستيا 1كو26:11. وما كنا
نستطيع التمتع ببركات أس سر من أسرار الكنيسة .
17) ونحن نهتم بالصليب ، لنتذكر الشركة التي لنا فيه :
نتذكر قول القديس بولس الرسول { مع المسيح صلبت . فأحياء
لا أنا بل المسيح يحيا في } غل20:2.
وقوله أيضا { لأعرفه
وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته } في10:3.
وهنا نسأل أنفسنا متي ندخل في شركة آلام الرب ونصلي معه . وهنا نتذكر اللص الذي صلب
معه ، فاستحق أن يكون في الفردوس معه .
18) ونحن نكر الصليب ، لأنه موضع سرور الآب :
قال اشعياء النبي في ذلك { أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن
} اش10:35.
إن السيد المسيح أرضي الآب بكمال حياته علي الأرض ، ولكنه
دخل في ملء هذا الارضاء علي الصليب ، حيث أطاع حتي الموت ، موت الصليب } في8:2.
وكما كان الصليب موضع سرور للآب ، كان هكذا أيضا بالنسبة
إلي الابن المصلوب الذي قيل عنه {من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا
بالخزي } عب2:12. 19
19) نحمل صليب المسيح الذي يذكرنا بمجيئه الثاني :
كما ورد نهاية العالم ومجيء الرب { وحينئذ تظهر علامه ابن
الإنسان في السماء { أي الصليب }. ويبصرون ابن الإنسان آتيا علي سحاب السماء ..} مت30:24 .
فلنكرم علامة
ابن الإنسان علي الأرض ، مادمنا نتوقع علامته هذه في السماء في مجيئه العظيم .
إن شاء الرب سنستكمل الإجابة عن سبب إختيار السيد المسيح له المجد لموت الصليب لاحقا ...